Saturday, December 13, 2014

Tugas َUshul Fiqh di Universitas Islam Madinah

بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

الحمد لله الذي بين لنا الحلال والحرام وأحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث واللآثام والصلاة والسلام على نبينا محمد خير الأنام وعلى آله وأصحابه البررة الكرام, أما بعد

إن من علامة الخير في العبد المسلم أن يوفقه الله للفقه في دينه, قال رسول الله صلى الله علبه وسلم: ((من يرد الله به خيرا يفقه في الدين))[1] ومن أنواع هذا الفقه فقه الأحكام الشرعية الذي هو من أنواع الفقه المحمود في دين الله. إن لعلم أصول الفقه أهمية بالغة في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة في الشرع، وعن طريقه يتمكن الفقيه من الوصول للحكم بسهولة ويُسر، ويتمكن من معرفة الراجح من المرجوح من أقوال الفقهاء، وتمييز الأقوال الصحيحة من السقيمة، وكان أصول الفقه  ولا زال  وسيلة للدفاع عن الدِّين

وفائدة أصول الفقه لا تقتصر على استنباط الأحكام الفقهية وحسب، بل تتعدى إلى جميع الأحكام الشرعية؛ فلا يستغني عن أصول الفقه فقيه، ولا مفسِّر، ولا محدِّث، ولا شارح للعقيدة؛ فهو علم لتفسير النصوص، والترجيح بين الأقوال، وبه يفهم مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم

بناء على هذا كتبت بحثا موجزا بعنوان "حكم العام الوارد على سبب خاص" قدمته للحصول على درجة أعمال السنة في مادة قاعة البحث للمستوى السادس في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية للعام 1436ه
وقد قسمت البحث إلى هذه المقدمة ومبحثين وخاتمة على النحو التالي:

المقدمة

المبحث الأول: تعريف العام وصيغ العموم و تقسيم عموم اللفظي من جهة وروده

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تعريف العام لغة واصطلاحا

المطلب الثاني: صيغ العموم

المطلب الثالث: تقسيم عموم اللفظي من جهة وروده

المبحث الثاني: دراسة مسألة هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب 

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: ذكر أقوال الأصوليين في المسألة و أدلة كل طائفة

المطلب الثاني: مناقشة الأدلة وذكر القول الراجح فيها

الخاتمة

وأخيرا أسأل الله تعالى أن ينفعني هذا البحث وجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة, إنه ولي ذلك والقادر عليه وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين


كتبه الطالب
حسنان حنيف بن مفيد معين الإندونيسي
ليلة السبت بالتاريخ الواحد والعشرون من صفر 1436 ه
بالمدينة النبوية


المبحث الأول
تعريف العام وصيغ العموم و تقسيم عموم اللفظي من جهة وروده

المطلب الأول: تعريف العام لغة واصطلاحا
العام في اللغة شمول أمر لمتعدد، سواء كان الأمر لفظًا أو غيره، ومنه قولهم: عمهم الخير إذا شملهم وأحاط بهم[2]

العام في اصطلاح الأصوليين له تعريفان:

v   التعريف الأول هو ((اللفظ الواحد الدال على شيئين فصاعدا مطلقاً)) وهذا تعريف القاضي أبي يعلى[3] وأبو حامد الغزالي[4] رحمهما الله
قال العلامة الشوكاني رحمه الله: ((واعترض عليه أنه ليس بجامع ولا مانع، أما كونه ليس بجامع، فلخروج لفظ المعدوم، والمستحيل فإنه عام ومدلوله ليس بشيء، وأيضًا الموصولات مع صلاتها مع جملة العام وليست بلفظ واحد، وأما أنه ليس بمانع فلأن كل مثنى يدخل في الحد مع أنه ليس بعام، وكذلك كل جمع لمعهود وليس بعام))[5]
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (وهذا التعريف لا يصح تعريف العام في الاصطلاح به لأنه ليس بمانع فلفظه زوج وشفع مثلا تدل على أثنين ولم يقل أحد أنها صيغة عموم))[6]

v   التعريف الثاني هو ((كلام مستغرق لجميع ما يصلح له)) وهو تعريف أبي الحسن البصري[7] أو بتعبير آخر ((اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِه)) وهو تعريف ابن النجار[8] واختاره الطوفي[9] رحمهم الله

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: ((وهذا التعريف جيد ,الا أنه ينبغي أن يزاد عليه ثلاث كلمات:
الأولى: (بحسب وضع واحد)
والثانية: (دفعة)
والثالثة: (بلا حصر)[10] من اللفظ فيكون تعريفاً تاماً مانعاً .
فخرج بقوله (مستغرق لجميع ما يصلح له) ما لم يستغرق نحو : بعض الحيوان إنسان وخرج بقوله: دفعة , النكرة في سياق الإثبات كرجل , فإنها مستغرقة , ولكن استغراقها بدلي لا دفعة واحدة . وخرج بقوله : (بلا حصر) لفظ عشرة .
مثلا لأنه محصور باللفظ فلا يكوم من صيغ العموم , على رأي الأكثرين وخرج بقوله : (بحسب وضع واحد) المشترك كالعين فلا يسمى عاما بالنسبة إلى شموله الجارية والباصرة , لأنه لم يوضع لهما وضعاً واحدا بل لكل منهما وضع مستقل))[11]

المطلب الثاني: صيغ العموم

صيغ العموم سبع:
1 - ما دل على العموم بمادته مثل: كل، وجميع، وكافة، وقاطبة، وعامة؛ كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[12]
2 - أسماء الشرط؛ كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِه}[13] {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[14]
3- أسماء الاستفهام؛ كقوله تعالى: {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}[15] {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}[16] {فأين تذهبون}[17].
4 - الأسماء الموصولة؛ كقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[18].
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[19]. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[20] {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض}[21]
5 - النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام الإنكاري؛ كقوله تعالى: {وما من اله الا الله}[22] {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}[23]. {إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}[24] {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ}[25]
6 - المعرّف بالإضافة مفرداً كان أم مجموعاً؛ كقوله تعالى: {وأذكروا نعمة الله عليكم}[26]
7 - المعرف بأل الاستغراقية مفرداً كان أم مجموعاً؛ كقوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً}[27]. {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم}[28].
وأما المعرف بأل العهدية، فإنه بحسب المعهود فإن كان عامًّا فالمعرَّف عام، وإن كان خاصًّا فالمعرَّف خاص، مثال العام قوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ}[29] {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[30] {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}[31]
وأما المعرف "بأل" التي لبيان الجنس؛ فلا يعم الأفراد، فإذا قلت: الرجل خير من المرأة، أو الرجال خير من النساء، فليس المراد أن كل فرد من الرجال خير من كل فرد من النساء، وإنما المراد أن هذا الجنس خير من هذا الجنس، وإن كان قد يوجد من أفراد النساء من هو خير من بعض الرجال[32]
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: ((وربما أفادت النكرة في سياق الإثبات العموم بمجرد دلالة السياق كقوله تعالى {علمت نفس ما أحضرت}[33] {علمت نفس ما قدمت وأخرت}[34] بدليل قوله تعالى: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت}[35] الآية))[36]

المطلب الثالث: تقسيم عموم اللفظي من جهة وروده

كلام الشارع لا يخلوا من حالين :
الحال الأول : أن يرد اللفظ ابتداءً من الشارع , وهذا على قسمين :

القسم الأول : أن يكون اللفظ الوارد عاماً : مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : (مفتاح الصلاة الطهور) أي صلاة فريضة نافلة إلى آخره , فلا خلاف في هذا الحال في صحة دعوى العموم فيها .
القسم الثاني : أن يكون اللفظ الوارد خاصاً : ويمثل له بقوله سبحانه وتعالى : {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[37]  فقد دلت هذه الآية على أنه لا تحل الموهوبة لغير النبي صلى الله عليه وسلم ولو أن امرأة وهبت نفسها لرجل آخر لم تحل له حتى تعطيه شيء من المَهر .

الحال الثانية : أن يرد اللفظ على سبب خاص: 
كوقوع حادثة أو سؤال سائل فالسبب هنا لا يقصد به الموجب للحكم ولا يقصد به ما يولد الفعل كأن نقول : "زنا فرجم" " سرق فقطع " فالقطع سبب السرقة , والرجم سببه الزنا لا نريد بالسبب هنا ما يولد الفعل ولا نريد به الموجب للحكم وإنما نريد بالسبب هنا :الداعي إلى الخطاب بذلك القول والباعث عليه سواء أكان ذلك سؤالاً ورد فأجاب عنه الشارع أو حادثةً وقعت فجاء الشارع في بيانها.

وحينئذ لا يخلو السبب من أحدهما يعني إما أن يكون السؤال سبباً ورد , وإما أن يكون حادثةً وقعت
أما إذا كان هو السؤال فحينئذ ننظر إلى جوابه من حيث استقلاله أو عدم استقلاله يعني استقلاله عن السؤال أو عدم استقلاله فإن كان الجواب غير مستقل عن السؤال بمعنى أنه لا يصح الابتداء به كالجواب "بلا" والجواب "بنعم" وما شابههما فإن الحكم هنا أن الجواب تابع للسؤال في خصوصه وعمومه كأن السؤال معاد فيه , وفي هذه الحال يقول القاضي العضد لا نزاع في هذا الأمر

قال الشوكاني رحمه الله: ((ولا بد في ذلك من تفصيل، وهو أن الخطاب إما أن يكون جوابًا لسؤال سائل أو لا، فإن كان جوابًا فإما أن يستقل بنفسه أو لا، فإن لم يستقل بحيث لا يحصل الابتداء به فلا خلاف في أنه تابع للسؤال في عمومه وخصوصه، حتى كأن السؤال معاد فيه، فإن كان السؤال عامًّا فعام، وإن كان خاصًّا فخاص))[38]

مثال الخصوص: لو قال سائل هل يجوز لي التوضوء بماء البحر ؟ فأجابه "بنعم" حينئذ يقصر الحكم على السائل ولا يعم غيره. ومثال العموم : هل يجوز التوضؤ بماء البحر؟ فيأتي الجواب "بنعم" فيكون حينئذ عاماً بحسب السؤال . إذن إذا كان الجواب غير مستقل فإنه يكون تابعاً للسؤال في عمومه وخصوصه كان السؤال معاد فيه , أما إن كان الجواب مستقلاً عن السؤال بمعنى أنه لو ورد مبتدأً لكان تاماً ومفيداً فهو هنا يقسم إلى أقساماً ثلاثة :

القسم الأول : أن يكون الجواب مساوياً للسؤال في العموم والخصوص :
فالحكم هنا أن الجواب يتبع السؤال في العموم والخصوص كما لو كان الجواب غير مستقل وبعض الأصوليين يجري الخلاف في هذا الموطن أيضاً

قال الآمدي رحمه الله: ((فإن كان مساويا له فالحكم في عمومه وخصوصه عند كون السؤال عاما أو خاصا فكما لو لم يكن مستقلا ومثاله عند كون السؤال خاصا سؤال الأعرابي عن وطئه في نهار رمضان وقوله صلى الله عليه و سلم اعتق رقبة ومثاله عند كون السؤال عاما ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل فقيل له إنا نركب البحر على أرماث لنا وليس معنا من الماء العذب ما يكفينا أفنتوضأ بما البحر فقال صلى الله عليه و سلم البحر هو الطهور ماؤه))[39] 

مثال المساواة في الخصوص: كأن يسأل السائل عن جِمَاعِهِ هو في نهار رمضان فيجيبه الشارع عليك الكفارة فيكون هذا محمول على الخصوص .ومثال المساواة في العموم: كأن يسأل سائل عن الجماع في شهر رمضان أو نهار رمضان فيجيبه الشارع : " من جامع في شهر رمضان فعليه الكفارة " هنا أيضاً قلنا أن الجواب يتبع السؤال في العموم والخصوص كما لو كان الجواب غير مستقل

القسم الثاني : أن يكون الجواب أخص من السؤال :
مثل أن يسأل سائل عن أحكام المياه هذه عامة فيجيبه الشارع بأن ماء البحر طهور فالجواب هنا خاص ببعض المياه وهي : مياه البحار فالحكم هنا هو أنه يُعمل بالجواب وهو الجواب الخاص فلا يعمُّ كل ماء لأنه خصص الكلام عن ماء البحر مع دعاء الحاجة إلى بيان حكم المياه , فهنا ما عدل عن بيان الحكم العام إلى بيان حكم حالة خاصة إلا لأنه يريدها دون غيرها وبعضهم أجرى الخلاف على هذه المسألة .

قال الآمدي رحمه الله: ((وأما إن كان الجواب أخص من السؤال فالجواب يكون خاصا ولا يجوز تعديه الحكم من محل التنصيص إلى غيره إلا بدليل خارج عن اللفظ إذ اللفظ لا عموم له كما سبق تقريره بل وفي هذه الصورة الحكم بالخصوص أولى من القول به فيما إذا كان السؤال خاصا والجواب مساويا له حيث إنه هاهنا عدل عن مطابقة سؤال السائل بالجواب مع دعو الحاجة إليه بخلاف تلك الصورة فإنه طابق بجوابه سؤال السائل))[40]

القسم الثالث : أن يكون الجواب أعم من السؤال :
بحيث يتناول ما سُئِلَ عنه ويتناول غيره وهذا له حالتان :

الحالة الأولى : أن يكون الجواب أعم من السؤال في حكم غير ما سأل عنه : 
وهذا مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : (سَأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القيل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ : فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته))[41] فالسؤال هنا كان عن طهورية ماء البحر فكان الجواب أعم من السؤال في حكم الآخر حيث بين في الجواب حكم ميتة البحر من حيث الحل والحرمة وكان السؤال ماء البحر

 قال الآمدي رحمه الله: ((وأما إن كان الجواب أعم من السؤال فإما أن يكون أعم من السؤال في ذلك الحكم لا غير كسؤاله صلى الله عليه و سلم عن ماء بئر بضاعة فقال خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو ريحه أو لونه أو أنه أعم من السؤال في غير ذلك الحكم كسؤاله صلى الله عليه و سلم عن التوضىء بماء البحر فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته فإن كان من القسم الثاني فلا خلاف في عمومه في حل ميتته لأنه عام مبتدأ به لا في معرض الجواب إذ هو غير مسؤول عنه وكل عام ورد مبتدأ بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عند القائلين بالعموم))[42]

الحكم هنا أنه لا خلاف في أن العبرة بالجواب هنا فنأخذ بعموم الجواب ولا ننظر لخصوص السبب وهو السؤال وبعض الأصوليين أيضاً الباقلاني وابن برهان وغيرهما أجروا الخلاف أيضاً في هذه المسألة 

الحالة الثانية : أن يكون الجواب أعم من السؤال في ذلك الحكم المسؤول عنه أو أن يكون السبب هو السبب واقعةً حدثت, فنزل النص بحكمها.

مثاله : حديث عائشة رضي الله عنها : (أن رجلاً اشترى عبداً فاستغله ثم وجد به عيباً فرده فقال: يا رسول الله إنه قد استغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الخراج بالضمان))[43] يعني أن استغلاله له يقابل ضمانه له فالمشتري له الحق في رده واستغلاله لهذا العبد لا يكون مدعاة إلى عدم رد العبد بالعيب إلى البائع فالجواب هنا أعم من السؤال فهو يتناول هذا العبد المستغل وغيرهم من العبيد الذين هؤلاء سبيلهم وكذلك كل سلعة ينتفع بها ثم يوجد بها عيباً كسيارة ونحو ذلك فإن المشتري إذا اشترى سيارة فاستغلها ثم وجد بها عيباً فإن له أن يرد تلك السيارة إلى البائع ولا يمنعه استغلاله لتلك السيارة من ردها للبائع

فقد ذكر بعض الأصوليين أن هذا موطن من مواطن الخلاف في هذه المسألة المشهورة وهي مسألة هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب ؟


المبحث الثاني
دراسة مسألة هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب 

المطلب الأول: ذكر أقوال الأصوليين في المسألة و أدلة كل طائفة

اختلف العلماء في هذه المسألة هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟
v   القول الأول : أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب :
وهذا هو قول جمهور أهل العلم واختاره أبو الحسين البصري[44] والجويني[45] والغزالي[46] والرازي[47] والزركشي[48] والآمدي[49] وابن النجار[50] والشوكاني[51] والشنقيطي[52] وغيرهم
قال العلامة الشوكاني رحمه الله: ((وإلى هذا ذهب الجمهور قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي وابن برهان وهو مذهب الشافعي... وحكا هذا المذهب ابن كنج عن أبي حنيفة والشافعي وحكاه الأستاذ أبو منصور عن أكثر الشافعية والحنفية وحكاه القاضي عبد الوهاب عن الحنفية وأكثر الشافعية والمالكية وحكاه الباجي عن أكثر المالكية والعراقيين))[53] ومن أدلة هذا القول ما يلي :

×    الدليل الأول : أن الحجة في لفظ الشارع لا في السبب, فيجب اعتباره بنفسه في خصوصه وعمومه ولذلك لو كان جواب الشارع أخص من السؤال فإنه لا يجوز تعميمه فكذلك إذا كان أعم من السؤال فإنه يجوز بل يجب تعميمه لأن الشارع ما عدل عن السؤال الخاص إلى الكلام إلا أنه يريد تعميم الحكم على هذا السبب وعلى غيره .
قال العلامة الشوكاني رحمه الله: ((أنه يجب حمله على العموم لأن عدول المجيب عن الخاص المسؤول عنه إلى العام دليل على إرادة العموم ولأن الحجة قائمة بما يفيده اللفظ وهو يقتضي العموم ووروده على السبب لا يصلح معارضا))[54]

×     الدليل الثاني : أن أكثر الأحكام الشرعية نزلت على أسباب خاصة , كنزول آية الظهار في أوس بن الصامت رضي الله عنه وآية الظهار في ذهاب بن أمية رضي الله عنه ونحو ذلك مما ذكره أهل العلم في أسباب النزول ولو كان السبب الخاص يقتضي اختصاص العام به لما عمت هذه الأحكام , لكن هذا باطل بإجماع الصحابة على تعميم أحكام تلك النصوص على من نزلت فيه وعلى من جاءت في حقه وعلى غيرهم .
قال الآمدي رحمه الله: ((أن أكثر العمومات وردت على أسباب خاصة فآية السرقة نزلت في سرقة المجن أو رداء صفوان وآية الظهار نزلت في حق سلمة بن صخر وآية اللعان نزلت في حق هلال بن أمية إلى غير ذلك والصحابة عمموا أحكام هذه الآيات من غير نكير فدل على أن السبب غير مسقط للعموم ولو كان مسقطا للعموم لكان إجماع الأمة على التعميم خلاف الدليل ولم يقل أحد بذلك))[55]

v   القول الثاني : أن العبرة بالخصوص ولا عبرة بالعموم :
وهذا القول هو منسوب إلى مالك في رواية عنه[56] واختار هذا القول بعض الشافعية[57]
قال العلامة الشوكاني رحمه الله: ((المذهب الأولأنه يجب قصره على ما خرج عليه السؤال وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي وحكاه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وسليم الرازي وابن برهان وابن السمعاني عن المزني وأبي ثور القفال والدقاق وحكاه أيضا الشيخ أبو منصور عن أبي الحسن الأشعري وحكاه أيضا بعض المتأخرين عن الشافعي وحكاه القاضي عبد الوهاب والباجي عن أبي الفرج من أصحابهم وحكاه الجويني في البرهان عن أبي حنيفة وقال إنه الذي صح عندنا من مذهب الشافعي وكذا قال الغزالي في المنخول ومعه فخر الدين الرازي في المحصول))[58]

قال الآمدي رحمه الله: ((فمذهب أبي حنيفة والجم الغفير أنه عام وأنه لا يسقط عمومه بالسبب الذي ورد عليه والمنقول عن الشافعي رضي الله عنه ومالك والمزني وأبي ثور خلافه))[59]

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: ((والتحقيق عن مالك أنه يوافق الجمهور في هذه المسألة))[60]. وقال بمثله فضيلة الشيخ عبد الله الفوزان حفظه الله[61],

 ومما استدل به أصحاب هذا القول على أن العبرة بالسبب هنا ولا يعمم الحكم:
×    الدليل الأول : أنه لو لم يكن المراد بيان حكم السبب لا غير بل بيان القاعدة العامة لما أخر البيان إلى حالة وقوع تلك الواقعة واللازم ممتنع وإذا كان المقصود إنما هو بيان حكم السبب الخاص وجب الاقتصار عليه
×    الدليل الثاني : أنه لو كان الخطاب عاما لكان جوابا وابتداء وقصد الجواب والابتداء متنافيان
×    الدليل الثالث : أنه لو كان الخطاب مع السبب عاما لجاز إخراج السبب عن العموم بالاجتهاد كما في غيره من الصور الداخلة تحت العموم ضرورة تساوي نسبة العموم إلى الكل وهو خلاف الإجماع
×    الدليل الرابع : أنه لو لم يكن للسبب مدخل في التأثير لما نقله الراوي لعدم فائدته
×    الدليل الجامس : أنه لو قال القائل لغيره تغدى عندي فقال لا والله لا تغديت فإنه وإن كان جوابا عاما فمقصور على سببه حتى إنه لا يحنث بغدائه عند غيره ولولا أن السبب يقتضي التخصيص لما كان كذلك
×    الدليل السادس : أنه إذا كان السؤال خاصا فلو كان الجواب عاما لم يكن مطابقا للسؤال والأصل المطابقة لكون الزيادة عديمة التأثير فيما تعلق به غرض السائل

المطلب الثاني: مناقشة الأدلة وذكر القول الراجح فيها

القول الراجح في هذه المسألة هو قول الجمهور والله أعلم, أما أدلة القول الثاني فأجاب عنه الآمدي رحمه الله في قوله:
×    ((والجواب عن المعارضة الأولى أنها مبنية على وجوب رعاية الغرض والحكمة في أفعال الله وهو غير مسلم وإن كان ذلك مسلما لكن لا مانع من اختصاص إظهار الحكم عند وجود السبب لحكمة استأثر الرب تعالى بالعلم بها دون غيره ثم يلزم مما ذكروه أن تكون العمومات الواردة على الأسباب الخاصة مما ذكرناه مختصة بأسبابها وهو خلاف الإجماع

×    وعن الثانية أنه إن أريد بالتنافي بين الجواب والابتداء امتناع ذكره لحكم السبب مع غيره فهو محل النزاع وإن أرادوا غير ذلك فلا بد من تصويره

×    وعن الثالثة أنه لا خلاف في كون الخطاب ورد بيانا لحكم السبب فكان مقطوعا به فيه فلذلك امتنع تخصيصه بالاجتهاد بخلاف غيره فإن تناوله له ظني وهو ظاهر فيه فلذلك جاز إخراجه عن عموم اللفظ بالاجتهاد وما نقل عن أبي حنيفة من أنه كان يجوز إخراج السبب عن عموم اللفظ بالاجتهاد حتى أنه أخرج الأمة المستفرشة عن عموم قوله عليه السلام الولد للفراش ولم يلحق ولدها بمولاها مع وروده في وليد زمعة. وقد قال عبد الله بن زمعة هو أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه  فلعله فعل ذلك لعدم اطلاعه على ورود الخبر على ذلك السبب

×    وعن الرابعة أن فائدة نقل السبب امتناع إخراجه عن العموم بطريق الاجتهاد ومعرفة أسباب التنزيل

×    وعن الخامسة أن الموجب للتخصيص بالسبب في الصورة المستشهد بها عادة أهل العرف بعضهم مع بعض ولا كذلك في الأسباب الخاصة بالنسبة إلى خطاب الشارع بالأحكام الشرعية

×    وعن السادسة إن أرادوا بمطابقة الجواب للسؤال الكشف عنه وبيان حكمه فقد وجد وإن أرادوا بذلك أن لا يكون بيانا لغير ما سئل عنه فلا نسلم أنه الأصل. ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن التوضؤ بماء البحر فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته تعرض لحل الميتة ولم يكن مسؤولا عنها ولو كان الاقتصار على نفس المسؤول عنه هو الأصل لكان بيان النبي صلى الله عليه و سلم لحل الميتة على خلاف الأصل وهو بعيد))[62]

ü    قال العلامة الشوكاني رحمه الله: ((وهذا المذهب هو الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة لأن التعبد للعباد إنما هو باللفظ الوارد عن الشارع وهو عام ووروده على سؤال خاص لا يصلح قرينة لقصره على ذلك السبب ومن ادعى أنه يصلح لذلك فليأت بدليل تقوم به الحجة ولم يأت أحد من القائلين بالقصر على السبب بشيء يصلح لذلك وإذا ورد في بعض المواطن ما يقتضي قصر ذلك العام الوارد فيه على سببه لم يجاوز به محله بل يقصر عليه ولا جامع بين الذي ورد فيه بدليل يخصه وبين سائر العمومات الواردة على أسباب خاصة حتى يكون ذلك الدليل في ذلك الموطن شاملا لها))[63]
ü    قال الآمدي رحمه لله: ((والمختار إنما هو القول بالتعميم إلى أن يدل الدليل على التخصيص))[64]
ü    قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: ((والحق فيها أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيعم حكم آية اللعان النازلة من عويمر العجلاني وهلال . وآية الظهار النازلة في امرأة أوس بن الصامت وآية الفدية النازلة في كعب بن عميرة))[65]
وأختم هذا البحث بفائدة ثمينة من شيخ الإسلام ابن تيمية وقال رحمه الله: ((وَالنَّاسُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ هَلْ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ أَمْ لَا ؟ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عمومات الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهَا تَخْتَصُّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَيَعُمُّ مَا يُشْبِهُهُ وَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ فِيهَا بِحَسَبِ اللَّفْظِ))[66]

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 




[1]  أخرجه البخاري (1/24) ومسلم (2/718) عن معاوية رضي الله عنه
[2]  إرشاد الفحول (1/285)
[3]  العدة (1/140)
[4]  المستصفى (2/32)
[5]  إرشاد الفحول (1/286)
[6]  مذكرة أصول الفقه ص 328
[7]  المعتمد (1/203)
[8]  شرح الكوكب المنير (3/101)
[9]  مختصر الروضة ص 97
[10]  المحصول (2/309)
[11]  مذكرة أصول الفقه ص 328
[12]  سورة القمر:49
[13]  سورة الجاثية: من الآية 15
[14]  سورة البقرة: من الآية 115
[15]  سورة الملك:من الآية 30
[16]  سورة القصص: من الآية 65
[17]  سورة التكوير: 26
[18]  سورة الزمر: 33
[19]  سورة العنكبوت: من الآية 69
[20]  سورة النازعات: 26.
[21]  سورة آل عمران: من الآية 129.
[22]  سورة آل عمران: 62
[23]  سورة النساء: من الآية 36
[24]  سورة الأحزاب: 54
[25]  سورة القصص: من الآية 71
[26]  سورة أعراف: 74
[27]  سورة النساء:من الآية 28
[28]  سورة النور: من الآية 59
[29]  سورة صّ: 7
[30]  سورة صّ: 72
[31]  سورة صّ: 73
[32]  الأصول من علم الأصول ص 34-36
[33]  سورة التكوير: 14
[34]  سورة الإنفطار: 5
[35]  سورة يونس: 30
[36]  مذكرة أصول الفقه ص 332
[37] سورة الأحزاب: 50
[38]  إرشاد الفحول (1/332)
[39]  الإحكام (2/257)
[40]  نفس المرجع
[41]  أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الطهارة باب الطهور للوضوء (1/ 22)، وأبو داود كتاب الطهارة: باب الوضوء بماء البحر رقم 83, والترمذي كتاب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور رقم 69، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي كتاب الطهارة، باب ماء البحر رقم 59 (1/50)، وابن ماجه كتاب الطهارة باب الوضوء بماء البحر رقم 386، وابن حبان في صحيحه رقم 1243، وابن خزيمة رقم 111، والحاكم في المستدرك (1/ 140)، كتاب الطهارة.هذا الحديث صححه البخاري والترمذي و الحاكم و ابن خزيمة و ابن حبان و ابن المنذر و الطحاوي والبغاوي والخطابي وابن مندة والبيهقي وعبد الحق والنووي والذهبي والألباني رحمهم الله. انظر صحيح أبي داود (1/145) رقم 76
[42]  الإحكام (2/257)
[43]  أخرجه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها، في البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد يستغله ثم يجد به عيبًا رقم 1285 وقال حسن صحيح، وأبو داود كتاب البيوع، باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا رقم 3508. وابن ماجه في التجارات، باب الخراج بالضمان رقم 2242. والحاكم، كتاب البيوع (2/ 15). وابن حبان في صحيحه رقم 4927 وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود (8/10) رقم 3510
[44]  المعتمد (1/302)
[45]  البرهان (1/253-257)
[46]  المستصفى (2/60-61)
[47]  المحصول (3/121-126)
[48]  البحر المحيط (3/198-212)
[49]  الإحكام (2/237-241)
[50]  شرح الكوكب المنير (3/177-182)
[51]  إرشاد الفحول (1/334-335)
[52]  مذكرة أصول الفقه ص 335
[53]  إرشاد الفحول (1/334-335)
[54]  إرشاد الفحول (1/334-335)
[55]  الإحكام (2/258-259)
[56]  إحكام الفصول ص 270
[57]  شرح تنقيح الفصول ص 316
[58]  إرشاد الفحول (1/334-335)
[59]  الإحكام (2/258)
[60]  مذكرة أصول الفقه ص 340
[61]  تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ص 191
[62]  الإحكام (2/259-261)
[63]  إرشاد الفحول (1/334-335)
[64]  الإحكام (2/258)
[65]  مذكرة أصول الفقه ص 203
[66] مجموع الفتاوى (13/339)

4 comments:

  1. Barakallahu fiik
    Semoga Allah mudahkan urusan antum

    ReplyDelete
  2. Wafikibarakallah.. amiin, semoga Allah juga memberikan taufiq pada kita... :-*

    ReplyDelete
  3. Terimakasih Infonya

    kunjungi juga blog saya
    Pengobatan Batu Ginjal Secara Alami
    http://habuzerijellygamatgold-g.blogspot.com/2014/12/pengobatan-batu-ginjal-secara-alami.html

    ReplyDelete